مقالات

براءة مستباحة .. حين يصبح الأمان حلماً

جريدة موطني

براءة مستباحة .. حين يصبح الأمان حلماً

بقلم د . هاني المصري

"براءة مستباحة .. حين يصبح الأمان حلماً

———————————

في ظل التحولات الاجتماعية والثقافية المتسارعة، تطفو على السطح ظواهر مقلقة تهدد بنية المجتمعات واستقرارها، لعل أبرزها وأخطرها ظاهرة العنف الجنسي ضد الأطفال، التي باتت تنتشر بصمت مدوٍ، مخلفة آثاراً نفسية واجتماعية عميقة تتجاوز حدود الضحية لتطال الأسرة والمجتمع بأسره.

العنف الجنسي ضد الأطفال لا يقتصر على الاعتداء الجسدي فقط، بل يشمل أيضاً كل شكل من أشكال الاستغلال الجنسي، مثل التحرش، الاستغلال عبر الإنترنت، أو حتى الإكراه على مشاهدة محتوى جنسي. ما يزيد الأمر تعقيداً أن معظم هذه الجرائم تُرتكب من قِبل أشخاص مقربين من الطفل – أفراد الأسرة، الجيران، أو حتى المدرسين – ما يخلق صدمة مضاعفة لدى الضحايا ويصعّب عملية الإفصاح أو طلب المساعدة.

تُظهر تقارير المنظمات الدولية، مثل “اليونيسيف” و”منظمة الصحة العالمية”، أن طفلاً من بين كل أربعة أطفال قد يتعرض لشكل من أشكال العنف الجنسي قبل بلوغه سن الثامنة عشرة. هذه النسبة الصادمة تضع المجتمعات أمام مسؤولية مضاعفة، لا سيما أن أغلب الضحايا لا يفصحون عن معاناتهم بسبب الخوف أو العار أو عدم الثقة في النظام القانوني والاجتماعي.

العواقب النفسية والاجتماعية

الطفل الذي يتعرض لعنف جنسي يدخل في دوامة من الصراعات النفسية: القلق، الاكتئاب، الشعور بالذنب، وفقدان الثقة في الآخرين. وغالباً ما ينعكس هذا على سلوكه الدراسي والاجتماعي، حيث تكثر حالات الانطواء، العدوانية، وصعوبات التركيز. وعلى المدى البعيد، قد يتحول هذا الألم إلى سلوكيات مدمرة للذات، كالإدمان أو العلاقات غير الصحية أو حتى الإجرام.

غياب الردع القانوني والثقافي

في كثير من المجتمعات العربية، لا تزال القوانين المتعلقة بحماية الأطفال من العنف الجنسي تعاني من ثغرات كبيرة، إضافة إلى نظرة اجتماعية محافظة تصعّب الحديث عن هذه القضايا بصراحة. وغالباً ما تُواجه الضحية وأهلها بلوم اجتماعي، فيُفضلون الصمت على الفضيحة، ما يترك المعتدي حراً طليقاً ويشجع على تكرار الجريمة.

نحو مواجهة فعالة

مواجهة هذه الظاهرة تتطلب استراتيجية متعددة الأبعاد تشمل:

التثقيف الجنسي الواعي للأطفال، لتمكينهم من فهم أجسادهم وحقوقهم وحدود الآخرين.

تدريب الأهل والمعلمين على كيفية اكتشاف علامات الاستغلال والتعامل معها.

تفعيل دور القانون وتعزيز العقوبات بحق المعتدين.

توفير مراكز دعم نفسي واجتماعي للضحايا تضمن سرية العلاج وفعاليته.

في النهاية، إن حماية الطفولة ليست خياراً بل واجباً “براءة مستباحة .. حين يصبح الأمان حلماً بل هو جريمة في حد ذاته. علينا أن نكسر حاجز الصمت، ونعيد للأطفال ما سُلب منهم: براءتهم، وكرامتهم، وأمانهم.

براءة مستباحة .. حين يصبح الأمان حلماً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى